رنك الكأس: رمز الساقي وهيبة البلاط السلطاني

اشخاص شاهدوا الموضوع



رنك الكأس: رمز الساقي وهيبة البلاط السلطاني

في زخارف العمارة الإسلامية خلال العصور الوسطى، لا سيّما في الحقبتين الأيوبية والمملوكية، يُعدّ الرنك علامة بصرية ذات دلالات متعددة؛ حيث يجمع في تشكيله بين الوظيفة والمقام والهُوية الشخصية لصاحب المنصب. ومن أشهر الرنوك التي عُثر عليها على العمائر والتحف والأقمشة الملكية، يبرز رنك الكأس، رمزًا لوظيفة الساقي، أو ما كان يُعرف بـ"الشراب دار".

الشراب دار: مهنة مركّبة ومقام وازن

اشتُقّ لقب "الشراب دار" من كلمتين:

  • شراب: أي ما يُشرب من الماء أو السوائل.

  • دار: أي الحامل أو المؤتمَن على تقديمه.

إلا أن هذه الوظيفة تجاوزت تقديم المشروبات، إذ كان الشراب دار شخصية أساسية في النظام السلطاني، تتولّى مسؤوليات حساسة ترتبط بالمجالس اليومية وموائد الطعام وكرم الضيافة السلطانية، ما يجعلها ذات خصوصية ومكانة كبرى في تسلسل الوظائف الإدارية داخل القصر.

السماط السلطاني ونشأة الجاشنكير

من أبرز مهام الساقي الإشراف على مدّ السماط، أي تجهيز وتنظيم المائدة السلطانية وفق قواعد بروتوكولية دقيقة. ولما كانت هذه المائدة تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من حياة السلطان اليومية، ظهرت وظيفة أشد احتراسًا وأرفع مقامًا، هي وظيفة الجاشنكير—الشخص الذي يتذوق الطعام والشراب قبيل تقديمه للسلطان، لضمان سلامته من السموم.

وكان الجاشنكير لا يُعيَّن إلا من بين المقرّبين جدًّا والمحلّين بثقة عالية، نظرًا لدقّة وخطورة منصبه.

رنك الكأس في الفنون الإسلامية: توقيع بلاط النخبة

ظهر رنك الكأس جليًا على عدد من التحف الفنية، منها:

  • القطع المعدنية كالسلطانيات والكؤوس.

  • الأقمشة السلطانية المنسوجة.

  • واجهات العمائر والدعامات الرخامية.

  • نوافذ من الزجاج الملوّن المعشّق.

ومن الأمثلة اللافتة، الشريط الكتابي بمنزل زينب خاتون بحي الأزهر، والذي يظهر عليه رنك الكأس الخاص بـمثقال السودوني الظاهري، أحد كبار السقاة في العصر المملوكي والمتولّي لتجديد المنزل. وبهذا الرمز، يربط المثقال اسمه ووظيفته بكيان معماري خالد، تتحدث فيه الجدران عن هوية من سكنها.

خاتمة: الرنك بوصفه شهادة هوية سلطانية

لم يكن رنك الكأس مجرّد زخرفة تُجمّل الجدران أو التحف، بل كان بطاقة هوية وظيفية تحمل بين رموزها طابعًا رسميًا، يُعرّف بصاحبها ويُعبّر عن دوره وموقعه في سُلّم الشرف السلطاني. وحين نُمعن النظر في تلك الرموز المحفورة والمنسوجة، نجدها شاهدة على أنظمة صارمة، وأدوار دقيقة، ومجتمع بلاطي بالغ التنظيم والدقة.

اضف تعليق

أحدث أقدم