كتب - محمد صفوت نوفل
أُقيمت صلاة الجمعة ، بفضل من الله، في مسجد القاضي يحيى، الكائن بشارع بورسعيد عند تقاطع شارع الأزهر. يعود إنشاء هذا المسجد إلى عام 1442م، وقد بناه الأمير زين الدين يحيى، أحد كبار أمراء المماليك الشراكسة في عهد السلطان الظاهر جقمق. وقد بلغت مكانته مبلغًا رفيعًا حتى صودرت أملاكه بأمر من السلطان الأشرف قايتباي، ثم أُودع السجن حتى وفاته.
ويُروى أن منبر المسجد تعرّض لسرقة جزء من نقشه القرآني الأصلي، ليُستبدل بنص توثيقي حديث أُضيف خلال أحد الترميمات، على نحو لا يلفت الانتباه.
يتخذ المسجد شكلاً مستطيلاً ويتكوّن من أربعة إيوانات، أوسعها إيوان القبلة، ويضم منبرًا خشبيًا فاخرًا مصنوعًا من خشب البلوط المُطعَّم بالعاج، ينتهي بجوسق مملوكي تعلوه قبة مزيّنة. أما السقف، فهو مُزخرف بنقوش وآيات قرآنية مذهبة، تتوّجه شُخشيخة مركزية بسقفٍ خشبي مرصّع ومذهب على طراز فني بديع، تُحيط بها شريطة قرآنية ذهبية في منتهى الروعة.
صاحب هذا المسجد، زين الدين يحيى بن عبد الرازق الظاهري، كان يشغل منصب الاستدار – وهي كلمة فارسية تتكوّن من "استيا" (طعام) و"دار" (بيت)، أي المسؤول عن إدارة غرف الطعام والموائد الخاصة بالسلطان، إضافة إلى شؤون الكساء والأموال.
أقرا أيضا : محمد صفوت نوفل يكتب : الأمير يشبك من ضريح مملوكي إلى منارة روحانية في قلب القاهرة
بجوار المنبر، يقع محراب حجري، وتنتشر حول الإيوانات الأربعة مجموعة من الزخارف الحجرية البارزة، منها صنجانيقات، مقرنصات، ودلايات زخرفية على الطراز المملوكي الأصيل. وتزيّن نوافذ المسجد شبابيك مستطيلة الشكل، مطعّمة بزجاج ملون.
ويتدلى من السقف نجفتان؛ إحداهما على الطراز الفاطمي، والأخرى تحمل سمات الفن المملوكي، ما يضفي على المكان طابعًا ضوئيًا روحانيًا فريدًا. وقد شُيّد المسجد بالكامل من الحجر الطبيعي، ولا يزال محافظًا على هيئته المعمارية الأصيلة.
أما تسميته بـ"مسجد القاضي"، فتعود إلى وجود محكمة شرعية بداخله، وكان يجلس فيها قاضٍ يُدعى يحيى زين الدين، الذي نُسب إليه المسجد.
إرسال تعليق