صلاح هدايت يكتب : مكانة المرأة و الام في مصر القديمة

اشخاص شاهدوا الموضوع


كتبه -  صلاح هدايت 

لمحاولة فهم و استيعاب مكانة المرأة و الأم فى مصر القديمة فنجدها واضحة فى تعاليم الكاتب و الحكيم آنى:

(ضاعف الخبز الذى تعطيه لأمك، و احتملها كما احتملتك، فقد كنت عبئاً ثقيلاً عليها....و لم أكن لأستطيع مساعدتها، لقد ولدت لها بعد تسعة أشهر،و ضمتك إلى صدرها، و أرضعتك طيلة ثلاث سنوات كاملة.. و على الرغم من قاذورتك أنها لم تشمئز منك و لم تقل من القرف ماذا أفعل... لقد أدخلتك المدرسة كى تتعلم القراءة و الكتابة. و كانت تذهب إليك كل يوم حاملة إليك الطعام و الشراب منذ منزلها... و الآن و قد أصبحت شاباً، و اتخذت لك زوجة، و أسست لنفسك منزلاً.. فتذكر أمك التى ولدتك.... و تذكر المتاعب التى عانتها اثناء تنشئتك... و أحرص ألا تغضب منك و ترفع أكفها إلى الله فيسمع شكواها).

 

و لقد كان بزوع الشمس كل يوم يعتبر ولادة فعلية، لكنهما عمليتان إلهيتان، و لذلك أعتبرت الشمس تشرق كل يوم من السماء التى صورت على هيئة امرءاة و اسماها المصريين نيت.

 

و كان للسيدة الحامل الحصانة القانونية مرعاة لظروفها البيلوجية، بحيث إذا وقعت جريمة ووجد ان فيها أمرأة حامل، فأن القاضى كان يؤجل الحكم حتى تضع تلك المرأة مولودها، لتجنيب ذلك المولود مشاق السجن، ولا يحمل وزر جريمة ليس له ذنب بها.

 

و من الشائع فى مصر إلى يومنا هذا مصطلح يطلقه المصريون للدلالة على صغر سن و قلة خبرة الشخص فيقولوا (مطلعش من البيضة، أى انه لم يخرج من البيضة) و قد ظهر ذلك المصطلح فى مصر القديمة، فقد كان لديهم اعتقاد عن الدور الفسيولوجى للرجل فى حمل المرأة، و لكن داخل جسد المرأة و هنا نقصد الآن الرحم فشبهوا الأمر بان الجنين كان يقبع داخل بيضة داخل المرأة.

 

لا شك ان قراءة القصص الشعبية و تأمل مناظر الحياة اليومية التى صورت بدقة شديدة على جدران المقابر الجنائزية ، و كانت تبين ثروة المتوفى العقارية التى كان يمتلكها المتوفى من الأراضى الزراعية و مخازن و صوامع الغلال و رؤوس الماشية و مبانى و منازل مزودة بالعديد من الخدم، و لكن لم يكن من السهل التعرف و معرفة الفرق بين الخادمة التى تعمل مقابل الأجر و التى تعيش بين افراد اسرتها فى النهاية و بين الأمة التى تعيش بين افراد أسرة سيدها.

 

 و لم يكن من السهل التعرف و معرفة الفرق بين الخادمة التى تعمل مقابل الآجر و التى تعيش بين افراد اسرتها فى نهاية دوام عملها، و بين الآمة او الجارية التى تعيش بين أفراد سيدها، فكان أسر العبيد و ابناءهم كانت تكون تقريباً جزءاً من أسر سادتهم و يبقون دائماً على ارتباطهم بهم، و كانت الخلافات و الاشتباكات بين الخدم تكثر بالفناء الخلفى ، و أحياناً كانت تصل و تمتد إلى داخل المنزل للمثول أمام سيدة المنزل أو القصر.

 

و قد كانت العبودية فى مصر تطبق غالباً على الأجانب الذين جلبوا إلى مصر كآسرى او كسبايا خاصة خلال الحملات التأدبية على الشرق فى البلاد الشام و حتى هضاب الأناضول،و فى الجنوب حتى أعماق النوبة و فى الغرب داخل الأراضى الليبية، و كان المقاتلين يحصلون على بعض الآسرى و السبايا الذين كان يقدمهم الملك لهم كمكافأة لهم على شجاعتهم و بسالتهم و أقدامهم فى القتال، و كان بعض المصريون يعملون بالسخرة او كمرتزقة أو كخدم أو كجوارى و فى أغلب الأحيان يلجأوا إلى تلك الأعمال لتسديد ديونهم، و عندما يتعلق الأمر بأمرأة فيتم توضيح جنسها فى عقد او صك البيع الخاص بها، و ان هذا العقد يقع إيضاً على الأبناء الذين قد تنجبهم من سيدها الذى ارتبطت به.

 

و للحصول على أمة كان لابد ان يتم تسجيل تلك العقود بأحد المكاتب الحكومية ، حتى يكون الأمر رسمياً  من الناحية القانونية و يحفظ حق السيد و العبد بموجب ذلك الأتفاق، و لم يكن كل الخدم او الجوارى او السبايا و الآسرى عرضه للبيع و الشراء و لكن كان يوهب بعضها للخدمة فى المعابد المصرية او للعمل فى الأعمال العمومية الخاصة بكل إقليم بالقطر المصرى.

 

اما النساء الأجنبيات الاتن كن يجلبن منذ وقت مبكر إلى مصرأثر الغزوات و الفتوحات الحربية، فقد تكونت منهن كذلك مجموعات الإماء، و لذا فقد أصبح من الأمور التقليدية ان نجد مجموعة من السبايا و النساء الليبيات و هن يسوقن الخراف و الماعز و يرعوها بين الحقول و المراعى و قد دزنت تلك المناظر على جدران معبد الملك ساحورع من الاسرة الخامسة.

 

و من النصوص و التعاليم التى وردت إلينا و التى ترجع إلى عصر الأنتقال الأول (2130 - 1980 B.C.E.) لنتعرف على بعض ملامح لحياة لتلك الإماء و الخادمات ففى أحد النصوص نجد:

(انظر لهذا الرجل النبيل الأصل، انك لا تكاد تعرف الابن الذى انجبه من زوجته يعامل مثل الابن انجبه من خادمته).

 

و تتحدث أحد النصوص عن واحدة من السيدات -(محدثات النعمة كما يطلقون بمصر)- و التى لا تبدى أى أحترام او تبجيل لاسيادها القدامى:

 

(انظر! الخادمات و قد أصبحن الآن يتحدثن بأسلوب متحرر، عندما تتحدث السيدة، فان الخدم لا يبالون بذلك، انظر! إلى من كانت لا تملك حتى علبة ما، و من كانت لا تسطيع ان تنظر الا لصفحة المياة فهى تمتلك الآن مرآة...).

 

و بأنتهاء الثورة الأجتماعية الأولى فى التاريخ و التى يرمز إليها تأريخياً بأسم عصر الأضمحلال او عصر الأنتقال الأول (2130 - 1980 B.C.E.)، استعاد الملوك المصريون المؤسسون و زعماء الدولة الوسطى السيطرة مرة أخرى و توحيد الأراضى المصرية من جديد و حزم مقاليد الأمور بالبلاد (1980 - 1938 B.C.E) ، فوضع التشريعات لضبط أمور الخدم و العبيد، فنجد ظهور مفهوم السجن الكبير حيث يقضى المذنبون و المحكوم عليهم مدتهم فى الأعمال العامة الخاصة بالدولة، مع ظهور مفهوم الأستصلاح فى عهد الدولة الوسطى.

 

و كانت الإماء و الجاريات ملكية خاصة لمالكهن و تؤول ملكيتهن إلى الورثة من زوجته و أبناءه، و فى أحدى الوثائق التى وصلتنا من الأسرة الثالثة عشر توثق أن رجل يدعى (حاعنخ اف) و كان مدير للمزارع الملكية فى طيبه قد اشترى خمس و تسعون خادمةً و خادماً ، و فى العام التالى آلت ملكيتهم إلى زوجته بعد وفاته و تدعى (سنت تبس) كأى ممتلكات أخرى.

 

و خلال عصر الدولة الحديثة و الذى اتسم بعصر الأمبراطورية المصرية و عصر الرخاء الأقتصادى و النهضة المعمارية فى مصر فكانت معظم الفتوحات  تلك تعود الجيوش بالعديد من الجوارى و الخادمات الأجنبيات ، كما ان الحروب و المعارك التى شنها الملوك المصريين فى ذلك الوقت قد مولت حركة تجارة الخدم و الجوارى، فلم تكن فقط الحروب السبب او الطريق الوحيد لجلبهم إلى مصر، بل كان هناك حركة لتجارة العبيد فى العصور القديمة و كان لهن اسواق خاصة لشراء العبيد و العجوارى الاناث منهن و الرجال،و كان ذلك النوع من الخادمات و الجوارى مطلوبات فى الطبقة العليا من المجتمع و التى يمكن تسميتها بالطبقة البرجوازية من النبلاء و الأمراء، خاصة اللبيات و السوريات و النوبيات.

 

و كان الملوك و النبلاء و الأمراء يأمروا بالعناية بهن و حمايتهن اثناء السبى و تجميعهن, و كانوا يجلبون و يستحوذون على الأجنبيات الجميلات و الحسناوات ذو المواهب كالغناء و العزف و الرقص و كان بعضهن يهبن للخدمة بالمعابد, و كن الأقل جمالاً منهن فيخصصن الى رجال و حاشية القصر الملكى، فكانوا من نصيب كبار الملاك.

 

و قد ظهر خلال الدولة الحديثة نظام إيجار الخادمات حين الرغبة او حين الحاجة للعمل فى بعض التجمعات او المؤسسات او المناسبات سواء للعمل فى الحقول اثناء مواسم الحصاد او خلال المناسبات الشخصية او الاجتماعية و ذلك حين عدم القدرة على أمتلاك الجارية او العبد بشكل كامل، و كان فى استطاعة بعض ملاك الأراضى أستئجار بعض الخدم او العبيد الذين قد وضعوا داخل مكتب إدارة الأقليم تحت امر جموع شعب الأقليم، فنجد بعض الخدم و العبيد كانوا ملكاً لمدينة الألفنتين (التابعة لمدينة أسوان الآن) او لقرية دير المدينة (تقع بالبر الغربى للأقصر الآن) و كما كان يصرف بعض الخدم على ذلك النمط من النساء و الاطفال لمعاونة السيدات الكبيرات سناً التن لا يقدرن على خدمة انفسهن.

 

و لا شكل ان تلك الخادمات المتواضعات كن ينتقلن من بيت إلى آخر و يتعاملن من مختلف الأنماط البشرية فقد اكتسبن نوعاً من الحكمة الهادئة الرصينة، و يقول الحكيم بتاح حتب فى ذلك الصدد:

 

(إن الحكمة الحقيقة لأكثر ندرة من الحجر الأخضر، و لكن احياناً نجدها لدى الخادمات التن يعملن على حجر الرحى).

 

لم يكن مصير العبيد و الجوارى فى أرض مصر قاسياً او أليماً، فلم يعيشوا فى نفس الظروف التى عانى منها العبيد و الجوارى فى بلاد الشرق الأدنى القديم، بل تعايشوا فى حالة من المعايشة المشتركة فى المجتمع المصرى.

 

فكان شائع ان اى رجل حر فى مصر يستطيع ان يتزوج ايه جارية او خادمة ولدت او عاشت فى نطاق اسرة مصرية بعد موافقة سيد او سيدة المنزل، و عندما تتزوج الخادمة او الجارية من رجل حر تصبح سيدة حرة بالتباعية و كان اسيادهن يضعوا حقوق الزوجة فى عقد الزواج، ففى بردية تسمى (بردية التبنى) و فيها تذكر إحدى السيدات التى تزوج أخوها الذى يدعى (باديو) من جاريتها الشابة:

(ان سيدتها اقبله (باديو) كزوجاً لجاريتى، اذن سيكون معها منذ اليوم، انظروا! لقد جعلت منها أمرأة حرة فى أرض الملك، و إذا حملت ولداً او بنتاً فسيصبحان هما إيضاً أحراراً فى أرض الملك،و سوف يعيشون فى منزل أخى رئيس الأسطبل بأرض الإله باديو شقيقى الصغير).

و فى كافة طبقات المجتمع, كان يمكن ان يتبنوا الرقيق، فنجد العديد من السيدات الثريات و المرموقات قد أتخذن من بعض جواريهن او عبيدهن أبناءاً لهن كما منحوهن الهبات و العطايا و الأملاك لهم و لابناءهن فى المستقبل ليضمنوا لهن حياة كريمة بعد ممتاهن.

 

و قد كان للعبيد او الجوارى و الخدم الأهلية القضائية و الحق فى المثول للشهادة امام القضاء او لتقديم مظلمة، كما ان الملك حور محب آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر من الدولة الحديثة الذى أصدر تشريعاته فنجده ذكر حقوق الخدم و الجوارى ، و لذلك تعد تشريعات حور محب اول دستور او أول قانون رسمى لحقوق الأنسان فى التاريخ و ذلك لأنها حفظت حقوق جميع اطراف الشعب بالمفهوم و الشكل الحقوقى للعالم المعاصر الآن ، و من كل ما ورد و ذكر نجد ان الجوارى قد حصلن على الكثير من الحقوق لما ينالها اى من الجوارى او الإمات او الخادمات فى التاريخ حتى إلغاء العبودية فى القرن التاسع عشر

اضف تعليق

أحدث أقدم