كتبه - صلاح هدايت
فى المقال السابق اشرنا إلى حرية
المرأة فى المجتمع المصرى و أشرنا إيضاً إلى المساواة التى تمتعت بها المرأة
المصرية أمام القانون و كذلك أنه كان يكفل لها الحق فى أمتلاك و التصرف فى أملاكها
الشخصية بل و المواريث إيضاً, و فى مقالنا هذا نشير إلى المرأة ككونها زوجة و أم
بالطبع الدور الرئيسى الذى لعبته المرأة كركن أساسى من أركان الأسرة المصرية كزوجة
و كأم بكل تأكيد.
فخلال ذلك الزمن البعيد لا يمكن
الأنكار لكل الوثائق و المستندات التى تؤكد الأستقلال و الأمان اللذين كانت تستطيع
المرأة أن تتمتع بهما, خلال العصور المختلفة و بذلك المقدار لم يتأثر بالانقلابات
و التقلبات السياسية, فكان للمرأة الحق النسبى فى اختيار زوجها و طبعا بالمباركة
من ابويها.
كان الزواج مؤسسة اجتماعية كريمة فى
المجتمع المصرى و ذلك بفضل سعة أفق الرجل, و بذلك القدر من الحرية الذى كانت
المرأة تتمتع به, و الأحترام الذى كانت تعامل به, و كانت إيزيس هى النموذج و
القدوة للزوجة لدى كل الأسر المصرية, فظلت المرأة كونها زوجة قد دعمت بمكانة عظيمة
كونها مصدر من مصادر الحياة فكونها تحتوى على قوى جسدية تفوق ما لدى الرجل.
و قدر أدرك المصريين القدماء ان الزواج
نظام شرعى لمصلحة بناء المجتمع, و لتحقيق أحتياجات الفرد و الجماعة, و انه ليس
مجرد وسيلة لتصريف شهوة أو الأستمتاع أو بغرض الأنجاب كما كان شائعاً فى الكثير من
الحضارات التى قامت فى العالم فى ذلك الوقت, فالزواج كان علاقة تمازج نفسى و روحى
فى إطار قانونى و شرعى.
فمنذ بزوغ فجر التاريخ فطن المصرى
القديم منذ آلاف السنين إلى أهمية عقود الزواج, و كان الزواج بصفة عامة عقد أحتكار
بين الرجل و المرأة فهى له و هو لها فقط, و نرى فى ذلك بزوغ تحول الأنسان من مجرد
إنسان بدائى يطارد و يصطاد الطعام حيوانى الشهوة إلى المواطن الذى يحتكم و يقدس
الروابط الأسرية.
و لدينا العديد من النصوص و الكتابات
التى توضح لنا رأى و وجهة نظر المصريين القدماء فى الزواج , و الترغيب فى التبكير
بالزواج و الأبتعاد عن الرذيلة و البغاء, فنجد بتعاليم الحكيم بتاح حتب و التى
تعود إلى الدولة القديمة () و هو يوصى إبنه و يحثه على الزواج قائلاً:
( إذا صرت رشيداً فأسس لنفسك بيتاً.. و
أحب زوجتك)
كما نجد فى الدولة الحديثة فيوصى
الحكيم آنى () فيقول:
(اتخذ لنفسك زوجة و انت شاب لترزق منها
بولد, إذا انجبته لك فى شبابك, علمه ليكون نافعاً فما أسعد الرجل الذى يكثر أهله و
يحترم من أجل أولاده).
و فى العصر المتأخر () نجد الحكيم (عنخ
ششنقى) فيقول:
(اتخذ لنفسك زوجة و انت فى سن العشرين
لتزرق بأولاد فى شبابك)
و فى إطار التنفير من العلاقات غير
الشرعية و الرزيلة فيقول بتاح حتب:
( إذا اردت ان تدوم صداقتك فى بيت تزوره
سيداً كنت او أخاً او صديقاً, فأحذر مخالطة النساء, لان ذلك تصرف شائن).
و كذلك يقول الحكيم آنى:
(أحذر المرأة الغريبة المجهولة الأصل,
لا تنظر إليها عندما تمر بك, ولا تتصل بها أتصالاً جسدياً, انها كالبحر العميق لا
يعرف الأنسان ما يخفيه, أن المرأة البعيدة عن زوجها تقول لك كل يوم فى الخفاء انى
جميلة محاولة إيقاعك فى شراكها انها ترتكب بذلك جريمة تستحق من اجلها عقوبة الموت).
و من تلك النصوص و التى تحتوى على
النصائح للابناء و حثهم على اتخاذ زوجة و تكوين أسرة, ةولا عجب بأن تلك النصائح
أصبحت دزءاً من التراث و العادات المصرية, و تعمق أثرها فى نفوس و وجدان المجتمع
المصرى, فأصبح للمصريون مفاهيم واضحة للزواج و التبكير به و الحفاظ على الزواج و
أبتغاء الأولاد, و عليهم ان يتجنبوا العلاقات الغير مشروعة و تلك هى مقومات
المجتمع الصحيح الذى يؤسس الحضارات.
اما عن معاملة الزوج لزوجته فيمكن
الاستنتاج من النصائح و التعاليم و النقوش التى وصلت لنا من ذلك العصر و الزمن
القديم على حرية و مكانة المرأة فى مصر القديمة و فى هذا الصدد يقول الحكيم بتاح
حتب:
(أحب زوجتك داخل بيتك, أطعمها و اكسها,
ان الزيوت و العطور علاج لجسدها, اسعد قلبها طوال حياتك فهى حقل مثمر لصاحبها)
و يقول الحكيم آنى:
(لا تكثر من إصدار الأوامر لزوجتك فى
منزلها اذا عرفت انها صالحة, ولا تقل لها اين كذا احضريه لنا اذا كانت قد وضعته فى
مكانه بل راقب اعمالها فى صمت)
و من تلك النصوص يمكن استقراء اهمية
الزوجة للمصرى القديم و أن عليه الأهتمام بها و الأهتمام بمتطلبتها و تلبيتها من
مستحضرات تجميل و العطور, و ان لا يقسوا عليها او يتسلط عليها, و كذلك على الزوجة
مراعاة زوجها و الاهتمام به و رعاية و ابناءها للحفاظ على اسرتها الصغيرة و من ثم
الحفاظ على قيم المجتمع فالأسرة هى مصدر
الأخلاق الأول فى المجتمع, و ذلك يذكرنا بقول شاعر النيل حافظ أبراهيم حين قال:
(الأم مدرسة إذا اعددتها .. اعددت شعب طيب الأعراق) .
اما عن سن الزواج فأشرنا سابقاً إلى
اهمية التبكير بالزواج بالنسبة للمصريين و حرصهم و حثهم على ذلك, و كان دافع وراء
التبكير بسن الزواج هو البعد عن الرزيلة و البغاء, فكان سن الزواج للشباب بين
الخامسة عشر و السادسة عشر, و للفتايات بين الثالثة عشر و الرابعة عشر, و كان ذلك
السن هو السن الطبيعى للزواج فى بلاد الحضارات القديمة, و ربما الزواج المبكر كان
وراء حالات و اسباب الوفاة المبكرة فى مصر بين السيدات بسبب الحمل و الوضع فى ذلك
السن المبكر و كذلك وراء الوفيات العديدة للأجنة و الرضع بسبب ضعف و هوان اجسام
أمهاتهم.
و بخصوص تعدد الزوجات فكان امراً غير
مستحباً فى المجتمع المصرى القديم حتى و ان كان الملوك يحذون بعدد لا نهائى من
الزوجات و الجوارى، و لكنه لم ينتقل إلى خارج جدران القصر المصرى لباقى درجات
المجتمع المصرى الهرمى، فلم يصل إلينا أى نقوش تشير إلى تعدد الزوجات، ففى ذلك
الحين نجد بعض حالات تكرار الزواج فى حالات الطلاق او وفاة الزوجة, كما نجد ان
صاحب المقبرة يذكر اسم زوجته المتوفاة و الثانية الجديدة مع الحفاظ على حقوق
ابناءه و بناته منها.
و اما عن حالات الطلاق فكان الأمر
إيضاً مثل الزواج بأن يتمتع الرجل و المرأة بالحرية فى الطلاق إيضاً، و لكن الطلاق
لم يكن شائعاً فى المجتمع المصرى القديم حيث قدس المصريون القدماء الأسرة و
الزواج، حيث قدس المصريون الآلهة فى صورة الثواليث المكونة من الأب و الأم و الأبن
مثل الثالوث الإلهى الشهير لمدينة الأقصر (آمون و زوجته موت و ابنهم خونسو) فعاش
المصرى القديم و هو مؤمن بضرورة الحفاظ على ذلك النمط و تلك العلاقة المقدسة.
فنجد الحكيم بتاح حتب:
( إذا أردت ان تكون أعمالك حسنة مستطيبة
فأبتعد و أهرب من كل المساوى و الشرور و هدئ من طباعك، و تجنب الشراهة و النهم فهى
بمثابة المرض الأليم لمن لا علاج له... فهى تفرق بين الآباء و الآمهات و إيضاً بين
الأخوة و الأخوات، إنها تفرق بين الزوجة و الزوج).
فكانت الخيانة الزوجية من أشهر الأسباب
للطلاق سواء خيانة الزوج او خيانة الزوجة و كانت القوانين تتعامل مع تلك الحالات
بالعقاب الرادع الذى يصل إلى جدع الأنف
أوالأذن أو قطع العضو الذكرى للرجل إذا اغتصب إمرأة أو إلى حد موت الراجل و المرأة
الخاينة إذا كانا متزوجان، و كانت كل تلك العقوبات تحول عن البعث و الخلود فى
العالم الأخر كمان أن احد الأسئلة التى كانت توجه للمتوفى فى محاكمة المتوفى فى
العالم الآخر فنجد على المتوفى أنه لابد من ينكر إذا وقع فى الخطيئة او انه
قام بالخيانة.
و وصل لنا العديد من الوثائق القضائية
التى توضح لنا أهمية و حرص القضاة و القائمين على العدالة لحفظ حقوق المرأة عند
حدوث الطلاق، و حين يذهب الرجل إلى القضاء للطعن فى ذمة زوجته و يتهمها بالخيانة
فإذا قامت الزوجة بالقسم و عدم اثبات تلك الخيانة ، فعليه ترضية الزوجة بالتعويض و
كذلك يكون لها الحرية فى الطلاق او انها تكمل حياتها معه.
و باستثناء الخيانة الزوجية التى كانت
تقع تحت طائلة عقوبة صارمة، و كان فى الطبقات الأجتماعية كان هناك أسباب أخرى
للطلاق، مثل عدم التوافق بين الزوجين ، او وقوع الرجل فى حب سيده أخرى، أ, الأصابة
بالعقم و عدم القدرة على الأنجاب.
و لم يكن هناك تحريم دينى يعارض
الانفصال او الطلاق بين الزوجين, و لذا فأن أستقرار الحياة الزوجية كان يعتمد على
الرغبة الطيبة للزوجين او على خشية الزوج من الأعباء التى تفرض على كاهله فى حالة
الأنفصال، هذة الأعباء المالية التى كانت تؤدى به احياناً إلى الفقر، فضلاً عن
السقوط الأخلاقى فى المجتمع خاصة إذا كان الطلاق بسبب خيانة الزوج ولان المجتمع
يضع الزواج كقانون للتوازن الاخلاقى فى المجتمع الذى لا يجب الإضرار او الاختلال
به.
و على كافة المستويات الاجتماعية كان
والد البنت المقبلة على الزواج يراعى تأمين و ضمان مستقبل ابنته إلى أقصى مدى،
فالخطيب او الزوج كان عليه القسم بحسن نوياه تجاه ابنته، مع كتابة حقوق الزوجة عند
الطلاق فى عقد الزواج و كان عليه دفع مبلغ مالى نسميه الآن (مؤخر الصداق) كما كان
عليه دفع ما نطلق عليه الآن (النفقة) فضلاً عن ما قدمه له من هدايا و مهر عند
التقدم لتزوجها، و احياناً إن لم يكتب الرجل وصيته او إذا اراد ألا يتزوج مرة
ثانية بعد الطلاق فللزوجة المطلقة الحق فى الميراث, و كان ذلك شائع بين السيدات و
فى حالات الزواج بطبقة الآثرياء البرجوازية.
و فى حالة الطلاق فكان على الزوج ان
يوفر لطليقته و ابناءه منها المسكن المناسب لتعيش به بعد طلاقها، و فى حالة عدم
قدرة المطلق على توفير مسكن لها فعلى والدها ان يحتوى الموقف ولا يتركها فنجد ذلك
النص الذى وصل إلينا من خلال نصوص قرية العمال بالأقصر:
(انتِ أبنتى ، و اذا طلقك العامل
(باكى Baki) من بيت الزوجية، فأنك تستطعين ان تقيمى ببيتى، بما اننى انا الذى قمت
ببنائه ، ولن يستطيع أحد طردك منه).
و خلاف ذلك النص إذا أتهم الزوج
بالخيانة و تم أثبات التهمة عليه ، فعليه أن يترك منزله لزوجته و يبحث عن منزل أخر
له.
و كان عشية يوم الزواج كان الشاب
المصرى يستمع للكثير من النصائح التى يوصى بها والده و الرجال الذين سبقوه للزواج
من عائلته، و التى توارثها المصريين من نصائح و تعاليم الحكماء مثل الحكيم بتاح
حتب و الحكيم آنى، فيمكن من خلالها استيضاح الصورة بشكل كامل.
(لا تراقب زوجتك مراقبة مستمرة فى
بيتها، إذا كنت تعرف انها فاضلة، ولا تقل لها ذاك الشئ إين هو؟ احضريه لنا؟ و
عندما يكون هذا الشئ موضوعاً فى مكانة المعتاد، لاحظ بعينك، و ابق صامتاً و أظهر
أعجابك بقيمتها، أن السعادة تتحقق عندما تتحد يدك بيدها، و الكثيرون يجهلون كيف
يتفادى الرجل سبب المشاحنات فى بيته، فحالما تبدو بوادر مشاحنة فى البيت، يجب على
القلب ان يثبت على الفور)
(الحكيم آنى).
(و انت مازلت شاباً، أتخذ زوجة، و سوف
تؤسس بيتك، قم برعاية كل من ستنجبهم، و كل من ستطعمهم، و كأنهم خليقة أمك، ولا
تجعلها تلومك، او ترفع ذراعيها نحو الرب،او ان يستمع الرب الى شكواها).
(الحكيم آنى).
(اذا كنت عاقلاً، أحرص على بيتك، احبب
زوجتك دون اى مشاركة، و أطعمها كما يجب، و وفر لها الملبس المناسب، و داعبها و
أشبع رغباتها، ولكن لا تكن فظاً، فأنك
لا تحصل على أكثر مما تريده منها
بالمراعاة لا بالعنف، أفتح لها ذراعيك، و نادها و عبر لها عن حبك).
.
إرسال تعليق